Thursday, January 18, 2007

ذكريات مع اليوم الدراسي

وعودة الى يومنا الدراسى
الذى يبدأ من نزولى من الحنطور قافزا من جوار عم مجاهد متمما على هندامى عادلا لطربوشى واضعا مخلتى وهى عبارة عن حقيبة من القماش تعلق فى الكتف لها جيبان الاكبر للكتب والكراريس و الاصغر للاقلام والاستيكة ولا مانع لوضع لفة السندوتشات بدلا من مسكها منفصلة وكنا نرتدى زيا مكون من حذاء اسود برباط ذو خمسة عراوى وجورب يعلو حتى اسفل الركبة بقليل رصاصى اللون وبنطلون قصير يحازى اعلى الجورب تقريبا وقميص سماوى مقفول بزراير حتى الرقبة تعلوه جاكتة من نفس صوف ولون البنطلون الكحلى الغامق وبجرد دخولى من باب المدرسة اخرج من حقيبتى شارة الالفة وأربطها على زراعى الايسر وكانت تعطى للتلاميذ المتفوقين حيث كنا نساعد المدرسين فى بعض الاعمال التنظيمية فى فصولنا . ثم أنخرط فى وسط زملائى نكون جماعات فى دوائر صغيرة نلقى على بعض تحية الصباح ونتبادل الحديث الذى دائما ما يكون حول الواجب المدرسى أو ما سوف نتبادله من الحلوى مع بعضنا فى الفسحة الصغيرة ويدق جرس طابور الصباح وله نظام محفوظ لا يتغير يبدأ بقفل عم قناوى باب الدخول
عــــم قنـــــاوى
حارس بوابة التلمذة كما كنا نطلق عليها وهى بوابة من الحديد صماء مقفولة عبارةعن بابين ينزلجان على قضيبين نصفا دائرين مدفونان فى ارضية الحوش وتختلف تماما عن بوابة المدرسين فى الجهة الأخرى ناحية الادارة وهى من الحديد المطعم برسومات لزهرة اللوتس من النحاس الأحمر اللامع والتى يظهر من خلفها أحواض الزهور الجميلة تتخللها ممرات من البلاط المزركش تؤدى الى سلم الادارة ويقف على بابها عم عبدالغنى رئيس الفراشين ببدلته الكاكى وطربوشه الطويل منتظرا حضور حضرة الناظر آخذا عنه حقيبته موصلا له الى غرفته مصحوبا بكل التبجيل والاحترام أما عم قناوى فقد كان رجلا طيبا يرتدى جلباب بلدى وطاقية صوف بيضاء ملفوف عليها شال محكم الربط وكأنه مصنوع معها وكنت أحب هذا الرجل لأنه كان يأتى الى منزلنا فى المناسابات مهنئا لوالدى الذى كان يتباسط معه وكان أيضا يحضر لى شهادة النجاح آخر السنة مشفوعة بالتهانى والدعوات التى كنت أحس بصدقها وكانت تأتى معه ابنته صفية ذات الاثنى عشر ربيعا رقيقة الجسم مليحة الوجه كلثومية الخدود متوردة خافضة العينان عسليتا اللون دائمة الابتسامة مرتدية جلباب منقوش بالورود الرقيقة تتدلى على كتفيها ضفيرتان من الشعر الأسود الناعم نازلتان من تحت منديل رأس من الحرير الطبيعى كنت أرى فيها خجلا عرفت فيما بعد انه خجل العذارى وكانت صفية تدخل عند أمى واخوتى البنات لتبشرهن بنجاحى وتخرج محملة بما لذ وطاب حاملة الى اهلها سلام أمى واختاى
الطـــابــــور:
ونعود الى مدرستنا لأن يوم النجاح له حلقة خاصة نعود اليها قريبا ان شاء الله ...
وبجرد أن يرن الجرس ويقفل عم قناوى الباب ماهى الا دقائق معدودة لا تصل الى عدد اصابع اليد الواحدة حتى تصطف التلاميذ كل فصل فىصفان بين كل صف وصف مسافة خطوتان وبين كل فصل وفصل مسافة ثلاث خطوات وكان عددالسنين اربعة فكل سنة ثلاثة فصول ماعدا سنة اولى فكانت اربعةفصول اى اجمالى فصول المدرسة ثلاثة عشر فصلا تقف فى ستة وعشرون صفا فى حوش المدرسة ويقف أمام كل فصل الألفة ومدرس الحصة الأولى ويقف حضرة البيه الناظر وحضرة الوكيل وخلفهم ا لمدرسون الأوائل على الفراندة الأمامية وتحت سارى العلم يقف فريق الموسيقى المكون من عازف اورج وعازف بروجى وعازفى كمان وعازفى طرنبيطة وعازف نقرزان يتقدمهم جمال أفندى مدرس الموسيقى وبجوارهم اربعة من فريق الكشافة بملابسهم الكاكى ومناديل الرقبة الخضراء والباريهات الخضراء يتقدمهم زميلنا حازم اطول تلميذ فى المدرسة ورئيس فريق الكشافة ويدير كل ذلك مدرس كان من أحب المدرسين الى قلبى وقلوب الكثير من التلاميذ ان لم يكن الجميع وهو
عبد ربه افندى عكاشة مدرس الالعاب
وكان يسمى ظابط المدرسة وكان عبد ربه افندى فى الاربعين من العمر ولكن له نشاط ابن العشرين طويل قوى البنية خفيف الحركة كما كان خفيف الظل يحمل فى يده خرزانة طويلة يهش بها ولا يضرب على الاجسام بل على الحائط او شنطة الكتب او الدكة وكان يبدأ طابور الصباح بعد أن يتأكد من انتظام الطوابير فى أماكنها ويهدأ الجميع ولا يسمع صوتا ( تقع الابرة ترن ) ويزأر قائلا مدرسة صفا مدرسة انتباه الكتب على الارض تفتيش الصباح وهنا يمر مدرسى الفصول بين الصفوف يتأكدون من قص الاظافر وحلاقة شعر الرأس ونظافة الحذاء ولمعانه وبعد أن يعود المدرسين أمام الطوابيريزأر زأرة أخرى صفا وانتباه وتبدأ تمرينات الصباح الرياضية وهى تمرينات انزراعية لبعض الحركات السويدية نشعر بعدها بالدفأ يسرى فى عروقنا ثم يلقى أحد التلاميذ وعادة من جمعية الخطابة كلمة الصباح وتكون فى الغالب قطعة شعرية من مؤلفات طاهر افندى مدرس اول اللغة العربية ثم كلمة البيه الناظر وهى كلمة ناصحة تخلط بين الترغيب والتهديد ويزأر عبدربه افندى بعدها بتحية العلم ويبدا زميلنا حازم فى رفع العلم والكشافون الاربعة رافعين ايديهم بالتحية الكشفية ذات الاصابع الثلاثة مع مارش بروجى تليه طبلات متلاحقة سريعة من عازفى الطرنبيطة وبعد أن يصل العلم الى قمة الصارى تتوقف الطرنبيطة وينادى الظابط يعيش جلالة الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان وترد المدرسة كلها قاطبة وراءه نفس الكلمات ثلاث مرات ثم زأرة الصفا والانتباه ثم أخذ التمام من الناظر والأمر بالتوجه الى الفصول ونتحرك الى فصولنا مع مقطوعة موسيقية عسكرية لفريق الموسيقى بقيادة عصاة المايسترو جمال أفندى مدرس الموسيقى ويتحرك كل فصل الى حجرته يتقدمه المدرس وجواره متاخرا نصف خطوة التلميذ الألفة
داخــــل الفصــــل
وندخل الفصل ويجلس كل تلميذان ..
ويجلس كل تلميذان على تختة واحدة لها مقعد وقمطران بكل واحد دواية للحبر ومجرى لوضع الأقلام ويمر فراش الدور ويضع من وعاء ابيض يشبه الى حدكبير براد الشاى الحبر فىتلك الدوايات وكانت الأدوات المدرسية نتسلمها من المدرسة وهى الكتب والكراريس والأقلام الرصاص وريشة الحبر وسنونهاالمختلفة وهىسن النسخ العربى وسن الرقعة وسن اللغة الانجليزية وكذلك الاستيكة الرصاص والحبر واقلام البسط بدرجاتها وهى اقلام من نوع خاص من البوص تبرى بطريقة معينة لنكتب بهافى حصص الخط العربى هذا بخلاف أفرخ ألجلاد وزجاجة الصمغ العربى ودبابيس الابرة والمكتب حيث أننا كنا ندفع ثلاثة جنيهات مصاريف العام الدراسى وكان مبلغ كبير حين ذاك لدرجة أنه كانت تعقد لجنة فى أول العام لدراسة الحالات المتقدمة للاعفاء من تلك المصاريف كاملة او نصفها كان يتقدم بها الغير قادرين شريطة أن يكون التلميذ متفوقا فىالدراسة ... وكان ترتيب جلوسنا عادلا ويقوم المدرس الذى عليه اول حصة فى بداية السنة بتنسيقه بحيث القصير فى الصفوف الأولى ويليه الأطول ويستثنى قصار النظر لابسى النظارات السميكة فقط ... وبعد أن نجلس وينضبط الفصل تماما ولا يأخذ ذلك الا ثوان قليلة يبلغ الألفة المدرس بالتمام فيدخل الفصل ويقول الكلمة المعهودة قيام فنهب واقفين فيلقى علينا التحية ويأمرنا بالجلوس وتبدأ الحصة الأولى بأخذ الغياب وتدوين أسماء الغائبين فى ورقة معدة لذلك ويسلمها الألفة للمعاون الذى يمر على الفصول لأخذها ...ثم يقوم الألفة بلم كراريس الواجب أو تسليمها لنا بعد التصحيح من المدرس ....ثم يبدأ المدرس فى التدريس وأول شئ يكتب على السبورة التاريخين الميلادى والهجرى ومادة الحصة وكان عدد التلاميذ فى الفصل لايزيد بأى حال من الأحوال عن الثلاثون أو أقل ......
وكانت حصــــة التـــــاريـــخ
هى الحصة المحببة لنا وكان يدرسها لنا مدرس أول اسمه بطرس أفندى وكان رجلا كبير البنيان أنيق الملبس عالى الصوت وأتذكر أنه كان يدرس لنا تاريخ الثورة الفرنسية وكان يلقى علينا الدرس بطريقة درامية تتحرك يداه مع عضلات وجهه مع ارتفاع وانخفاض صوته حسب الأحداث وكان يبلغ حدة الدراما عندما يصل الى وصول الملك والملكة الى المقصلة ولحظة نزول الجيلاتينا على رأسيهما لدرجة اننا كنا نصفق له اعجاباا ....
أما مدرس اللغة العربية طاهر أفندى
وكان هو المدرس الأول وكان شاعرا رقيقا عف اللسان مهندما دائما فى جيبه ديوان شعر يقرأ فيه وكان بينى وبينه صداقة جميلة لدرجة أنه كان يقرضنى تلك الدواوين لأقرأها وأعيدها له وكان رخيم الصوت حينما يقرأ الشعر يخيل اليك أنه يلحنه ويتغناه واذكر أن أول بيت شعر كتبته فى حياتى ووضعته فىديوان كنت مقترضه منه وكأننى نسيته فوجئت به يكتبه على السبورة ويقوم بشرح كلماته ووزنه واظهار مابه من حسنات وأخطاء ولن أنسى ما حييت هذا الموضوع أبدا والبيت كنت أقول فيه .
أبى وأمى وقبل جدتى وجدى * أحب ما خلق فى الوجود ربى
أما اللغة الانجليزية فكان يدرسها لنا مستر صلاح
وهو شاب أنيق جدا أسمر سمار أبناء الصعيد فقد كان صعيديا من سوهاج وكان ضليعا فى اللغة وان كان يشوبها بعض قليل من لهجته الصعيدية وكانت تضفى عليها رونقا خاصا كان مسار اعجابى وأتذكر أنه كان يدرس لنا ثلاثة كتب هى رواية روبن صن كروزو الشهيرة وكتاب القواعد الجرامر وكتاب المطالعة وكان عنيفا بعض الشىء لا يقبل أعذارا لمن ترك الواجب أو لم يحفظ الكلمات كما كان يسخر من التلميذ الذى يخطأ فى النطق وكان له لازمة يقولها وهى أنا جولت الانجليزى بتعطيش الجيم صعب على الفلاحين لأنه كان يعتبر أن كل من لم يكن من الصعيد فلاحاا ولكن شهادة أمام الله أننى أدين لهذا الرجل بمعرفتى باللغة الانجليزية السليمة كتابة ونطقاا ..
ولنا عودة الى نظام اليوم الدراسي والفسحة قريبا باذن الله

يوم من ايام الطفولة



فى حى شعبى تربيت ومارست طفولتى وشبابى وهذه مذكرة يوم من ايام الطفولة


استيقظت من النوم عند آذان الفجر الاول وتوضأت وصليت مع ابى وشقيقى الاكبرفى المسجد القريب من المنزل وعاد ابى وتوجهت انا وشقيقى الى المخبز لشراء الخبز وفى عودتنا اشترينا الفول والطعمية من عم أبورحمة والعسل والطحينة من الحاجة أم حسان وعدنا الى المنزل وقابلتنا أمى ببشاتها الدائمة حبايبى صباح الملك للمالك وأخذتنى جدتى فى حضنها وياله من حضن آخرته قرش صاغ أحمر لى ونصف فرنك فضة لاخى الاكبر ......وبعد قليل دخلت اختى الكبيرة تحمل الطبلية وجلس ابى وامى وجدتى واخوتى وجلست انا بين ابى وجدتى


الافطار :

الافطار مع العائلة بعد بسملة ابى ودعائه لنا بالرزق الوفير وهداية الطريق وتاميننا عليه له طعم جميل ولا أنسى مهما طال الزمن يد جدتى التى ملأتها التجاعيد كم هى رقيقة وهى تقشر بها البيضة لتعطينى اياها قائلة وضحكتها رحمها الله مازالت ترن فى اذنى حتى الآن كل ادينى سبقت أمك اللى لسة بتقشر لأبوك ... ثم ننهض كل الى حجرته نلبس ملابس المدرسة ويرتدى أبى قفطانه الشاهى الناعم تعلوه الجبة الكشمير (نوع فاخر من الصوف ) وعمامته ألأزهرية وحذائه الأجلسيه اللامع وفى يده مسبحته اليسر فقد كان رحمه الله رئيسا لقضاة المحكمة الشرعية بعابدين آن ذاك ثم يأتى صوت أم ابراهيم وهى سيدة فى سن والدتى من بلدتنا تعيش معنا تساعد أمى واخوتى البنات فى الاعمال المنزلية معلنة عن وصول عم مجاهد بالحنطور .....الذى اقفز راكبا جواره على كرسى القيادة ويركب أبى وأخى ألأكبر واختاى وبعد أن يأمره أبى بالتحرك أسمع كلمة توكلنا على الله ششييي.......وكأن الحصان يسمع وتبدأ


رحلة الصباح المكررة


ويبدأ الحنطور فى التحرك من أمام بيتنا ترمقه أمى من خلال المشربية العرابسك ( الارابسك) كما ينطقونها الآن والتى الوح لها مودعا .
وتتوقف برهة أمام أنور ابن عم حسين بياع الجرائد ليأتى بخفة ويناول والدى ألأهرام والمصرى وهى جريدة ناطقة بلسان حزب الوفد آن ذاك والذى كان ينتمى له ويعطيه والدى قرش صاغ أحمر ثمنا للجريدتان ، وينعطف الحنطور الى الشارع خلف سورالمدرسة السعيدية لينزل أخى الاكبر مرتديا حلته الصوف الرصاصى ذات البنطلون الطويل وعلى رأسه طربوش أحمر قانى (الطرابيشى ) وفى يده حقيبته الجلديه متسلحا بنصف فرنك وهو عملة فضية سداسية الوجه مرسوم على وجهها الاول صورة الملك فاروق الاول والوجه الآخر مكتوب عليه قيمتها وهو قرشان ونصف قرش صاغ ويمر من امام الحنطور منتصبا يسير فى خطوات سريعة متجها الى باب الطلبة مشفوعا بنظرة حانية مملؤة بالاعجاب المستتر من أبى فقد كان فى الثقافة وهى شهادة قبل التوجيهية كانت تؤهل حاملها على دخول المعلمين العليا والبوليس والمعاهد العليا . وبعد ذلك نتجه الى ميدان السيدة زينب وفى اول الميدان كانت تقبع مدرستى الابتدائية مدرسة محمد على باشا (مؤسس العائلة الحاكمة آن ذاك ) واسمحوا لى قبل أن أسرد يومى الدراسى أن أصف لكم


الزى الذى كانت ترديه أختاى وكانتا تلميذتان فى المدرسة السنية للبنات


ناهد رحمها الله وكانت تعمل محامية وأميمة أطال الله بقائها وكانت تعمل محاسبة والآن تقاعدت وللعلم فهى أم زوجتى أبنائى وكانتا توأم متشابهتان الا فى الطول ترتديان حين ذاك ملابس المدرسة السنية وهى من أعرق بل أول مدرسة لتعليم البنات فى مصر المحروسة (القاهرة ) حذاء اسود مقفول وجورب رصاصى يغطى الساق ومريلة كحلى تغطىمنتصف الساق وهى شبيهة بما يسمى الدريل حاليا وتحتها قميص ذو أكمام طويلة لونه رصاصى وايشارب أبيض يغطى الرأس و الرقبة تنسدل من خلفه على الاكتاف ضفيرتان تصلان الى منتصف الظهر تقريبا وكنت أرى فى شقيقتاى أجمل وأرق ما خلق الله كما كان يقول عنهن ابى وكما كانت تتغنى لهن جدتى بنتينى الحلوين مين زيهم مين ـ



والى اللقاء قريبا مع ذكريات اليوم الدراسي




##############################################

معلومة : هذه المذكرات أكتبها من الذاكرة مباشرة وليست مدونة وهى تقع فى اوائل العقد السادس من القرن الماضى حيث كنت فى العاشرة فأرجو المعذرة عن ما قد لا تسعفنى ذاكرتى من سرده

...........

###############################################